الراعي الرسمي

الرحال خالد الشبيبي

الرحال خالد الشبيبي
سيفين والخنجر تعانق مع السيفين.. هذا شعار السلطنه في علمها.. سلطانها قابوس تاج السلاطين.. الله يديمه عالياً في قممها

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

نموتُ .. نمُوتُ .. فيمُوت الوطَن!

نموتُ .. نمُوتُ .. فيمُوت الوطَن!

"في بلادٍ ..
نسجَ الخوفُ
على الأعينِ
ظلّ العنكبوتْ . .
لم نعد نبكي
على مَنْ ماتْ
بل مَنْ سيموتْ"
عبدالرزّاق الربيعيّ

نعُم .. لم نعدْ نبكِي على أمواتنا .. بل على أحيَائنا الذينَ ينتظرُون دورهم في حفلاتِ الموتِ الجماعيّة التيْ تقامُ يومياً على طرقَاتنا ..
نعم لمْ نعد نبكيْ على الأموَات .. لأنّهم أصبحُوا أرقاماً حاضرَة في تاريخ كلّ أسرة عُمانية .. لا نسأل هل فقدتم في حوادث السّير ولكن نقُولُ كم فقدتُم؟!
وإن كانَ عبدالرزّاق الربيعيّ كتبَ عن أبناءِ وطنهِ في العراق الذينَ يقضُون حتفاً في صراعاتهم الطائفيّة وفي التفجيراتِ الإرهابيّة وبرشَاشات المحتلّ، وإنْ كان الشباب في البلدانِ العربيّة يقضُون حتفاً برصاص قنّاصة شرطتهم في مظاهراتهم ضدّ أنظمتهم.. ويقضُون حتفاً في ساحاتِ الجهاد .. يمُوتون في سجُون تعذيب مخابرات حكوماتهم فإنّ أياً من هذا لا يحدثُ في عُمان وإنّما يمُوتُ العُمانيّ في توَابيت حديديّة .. في أكفانٍ من معدن يقُودها فيعُودُ إلى عائلتهِ جثّة ً هامدة ..
أشعرُ بالفجيعَة وأنا أقرأُ كلّ يوم ضحايا حفلاتِ الموت الجماعيّة في عُمان .. أصَابُ بالفجيعَة حين أفكّر أنّ المجتمع بدأ يعتَادُ سبب القتلِ الرئيسيّ في عُمان .. وبدأ يعتَادُ فكرَة الموتِ في الحوادث .. وأنّ أياً من ولايات السلطنة لم ترفع حتّى الآن حالة طوارئ بينَ سكّانها ..لم يشكّلوا لجنَة طوارئ لمداراة المجازر اليوميّة التي تفتكُ بنا .. أنّهم لم يخرجُوا بأطفالهم ونسائهم ومواشيهم مستجدين "يستسقونَ" الرّحمة من الله ليكفّ عنهم "ابتلاء الحوادث" .. ابتلاء الحوادث الذي فتك بهم أكثر من جفاف الأرض التي لم يَتوقفوا عن صَلواتِ الاستسقاء ليحييها بالمطر ولكنّهم لم يخرجُوا كذلك ليستسقوا فيحيي اللهُ الصحوَة في قلوبِ أبنائهم .. أنّهم لم "يعتصمُوا" مطالبين الحكُومة بوضعِ قوانين أكثر صرَامة من مجرّد شعارات معلّقة على جانب الشارع!
يشعرنيْ بالفجيعَة أنّ الشعبَ العُمانيّ لم يستيقظ بعدُ على جديّة "المصيبَة" التيْ هوَ مقدِم عليها .. في الوقتِ الذي تشكلّ فئة الشباب غالبيّة قتلى الحوَادث .. وإنْ كانتِ البنية التحتيّة لقطاع الطرق في عُمان تلعب دوراً كبيراً في القتلى وتتحمّل مسؤوليّتها الدولة فإنّ الأرقام الضوئيّة للقتلى لا تعبّر فقط عن مشكلة في قطاع النقل وإنّما عن وجود ثغرَة خطيرة في عقليّة المجتمع العُمانيّ ..
مجتمعنا الذي يتعدّى المليونين بقليل اعتَاد على يفتحَ الجريدة ويطالع خبر وفاة 20 فرداً هذا الأسبوع في الحوادث .. أربعة قتلى في حادث واحد .. موت عائلة بكاملها في الشرقيّة .. احتراق مركبتين بركابهما في نزوى ..
البارحَة كنتُ أخبر زملائي أنّ عدد قتلى الحوادث للأسبوع الماضي في السلطنة بلغَ 22 قتيلاً .. وكم كانَ الجميعُ صعقاً لسماعِ هذهِ الاحصائيّة .. ففي دولة كالمملكة المتّحدة يمُوت فيها شخصٌ بسبب حادث سير من كلّ 17ألف شخص نسمة .. يبدُو رقماً خيالياً أن يموتَ شخص عُمانيّ من كلّ 2000شخص في عُمان! يا إلهيْ! ألا تلمحُون معي حجمَ خطورَة المسألة؟
وحينَ نتحدّث عن وصولِ أعداد الوفيّات إلى هذا الرّقم فنحنُ يجبُ أن نغطي أيضاً نمط القوانين المؤطّرة للقيادة لدينا في السلطنَة .. إذ لا تزالُ قوانينُ المخالفات تتعامل بليونَة مع المخالفين .. قيمَة مخالفة السّعر المتدنيّة فيما رفعت الإمارات العربيّة المتحدة سعر مخالفة السرعة فوق المسموح إلى قرابة 60ريال عُمانيّ .. تخيّلوا لو أنّ سعر المخالفة لدينا هكذا في عُمان فإنّ تحصّل أي قائد مركبة لمخالفة سرعَة بهذهِ القيمة فستجعله يفكّر ألف مرّة قبل أن يعيد الكرّة وهو يعرفُ أن 60ريالاً تنتظرهُ ليدفع قيمة المخالفة .. في عُمان لا يمرّ يومٌ دون أن نقف عند إشاراتِ المرور ونلمح أمامنا السيّارات تتدافع حتّى حين تتحوّل الإشارة للحمراء لتقطعَ سيّارةٌ بسرعة جنونيّة الإشارةَ الحمراء .. ألا ينبغي التعامل مع هذا الواقع اليوميّ بقانونٍ أكثر صرامة؟
لا يمرّ يومٌ ولا نلمحُ سيّارة تطيرُ بسرعة 140كم/الساعة وما أن تصلَ عند الرادار تضيء مكابحُ السيّارة الحمراء .. ولا يمرّ يومٌ دون أن نلمح عُمانياً يقودُ وهو يتحدّث على الهاتف ..
وليسَ غريباً جداً أن نمرّ على العُمانيّ وبجانبهِ في المقعدِ الأماميّ يقفُ طفلهُ ذو البضعِ أعوام ..
ثقافَة الأحزمة في المقاعد الخلفيّة للأطفال لم تُخلَق بعدُ في عُمان .. في الوقتِ الذي لو فعلها أيّ عُمانيٍ في دولةٍ كالمملكة المتّحدة فإنّ أوّل ما سيحدث هوَ سحب وصايته على طفلهِ منه ومنحها للجهات الاجتماعيّة .. ربّما حتّى ينزلَ اللهُ رحمتهُ على عبادهِ فيصدرَ قانونٌ يمنعُ الآباء من القيادة ما لم يربط أطفالهُم أحزمَة الأمان .. بل إنّ العمانيين لا يستغربُون إطلاقاً رؤية عُمانيّ يضعُ "بينَ رجليه" طفلهُ الرضيع وهو ممسك بمقودِ السيّارة .. هذا الموقف بالذّات تحدّث إليّ عنهُ بدهشَةٍ أكثر من أجنبيّ قاد في شوارعِ السلطنة وصادفَ هذا الموقف .. وقدِ استمعتُ إليهِم دون أن أخبرهم أني أعرفُ نساءً .. يرضعنَ أطفالهنّ وهنّ يقدنَ السيّارة!! تخيّلوا!
أوّل ما يدهشُ الغريب هنا في عُمان .. أنّ الفتيات يقدن السيارات في كثيرٍ من الأحيان بتهورٍ لا يقلّ عن الرجال .. بل إنني بتّ ألمح كثيراً كيف تتخطى فتياتٌ كثر في ذروة الزحام السيارات التي أمامها وتعبر داخل الخط الأصفر الجانبيّ للشارع .. كيف تقف فتيات في مواقف المعاقين .. ربّما لاعتيادهنّ ثقافة: أنتِ فتاة؟! إذن تفضّلي!
لا يمرّ وقتٌ دون أن نلمحَ عُمانياً يقودُ بيدٍ ويشربُ "شاياً ساخناً" في اليد الأخرى ..
لا يمرّ وقتٌ دونَ أن نلمحَ عُمانياً .. "يرجع للخلف" في الشارع العامّ وقد فوّت مدخلاً جانبياً محاولاً الدخولَ لهُ مجدداً..
لا يمرّ يومٌ دونَ أن نقودَ في الخطّ السريع في الشارع فتلتصق خلفنا سيّارة ملحّة تارةً بالضوءِ الأقصى وتارةً بجرس السيّارة على أن نتزحزح من أمامها بينمَا تفصلنا عن مقدّمتها "بضع سنتيمترات"
لا يمرّ موقفٌ دونَ أن يفاجئنا أصحابُ التكَاسي "بمقالبهم" اليوميّة في الشارع ..
لا يمرّ يومٌ دون أن نلمح سيّارة تعبرُ داخل الخطّ الأصفر في الصباح .. متجاهلةً عشرات السيارات التي تتخطاها ..
لا يمرّ وقتٌ دونَ أن نقرأ في الصّحف خبرَ موتِ طفلٍ رضيعٍ في حادثٍ لأنّ "والديه" لم يكلّفا أنفسهما عناء توفير كرسيّ خاصّ له في السيّارة ..
لا يمرّ يومٌ في عُمان دونَ أن نلمحَ "الآسيويين" يتقافزُون أمامنا في مشهدٍ انتحاريّ لعبُور الشّارع ..
ولا يبدُو كلّ ذلك مستغرباً وأغلبنا نتاجُ "تدريبٍ غير واعٍ" .. في مهنَة كمهنة تعليم القيادَة تديرها فئات غير "مؤهلة تعليمياً" لتعليم النشء القيادة ..في الوقتِ الذي يسبقنا فيهِ جيراننا في الإمارات بأشواطٍ ضوئيّة عبر مدارس محترفة لتعليم القيادة نظرياً وتطبيقياً .. هذا بالتأكيدُ بعيدُ المنال في عُمان حتّى ليخيّل إلينا مع كلّ العشوَائيّة التي تشهدها شوارع السلطنة أنّ ثلثي الشعب العُمانيّ يحتاجُ أن يعود إلى مقاعد الدرَاسة لدرَاسة قواعد القيَادة السليمَة ..
نسمعُ منذ سنوَاتٍ عن قوانين تنظّم عملية تعليم القيادة في السلطنة وعدا عن ذلك لم يحدث شيءٌ سوى أن يرفع معلّمو القيادة يوماً بعد يومٍ أسعار تدريبهم إلى أسعارٍ خياليّة .. فعقدُ التعليم يكلّف على الأقلّ 500ريال عُمانيّ للشخص! وإذا كنتَ محظوظاً فلن تجد معلّم قيادة يدرّبك بأقلّ من6ريالات في السّاعة.. وأقصَى ما نفعلهُ من التعليم النظريّ هو حفظ إشارات الطريق .. ولأجلِ ذلك ليسَ غريباً أن يتصرّف الشعبُ بهذهِ العشوائيّة لأنّ نظام التثقيف النظريّ والامتحان النظريّ في قواعد القيادة السليمة لم تصلْ بعدُ إلى عُمان ..
لا نزالُ حتّى اليوم نشهدُ حفلات الموتِ الجماعيّة ونتفرّج عليها دونَ أن نجدَ خطواتٍ أكثر صرامة من الحكومة .. لماذا لا تنشرُ الشرطة أعداداً أكبر من أفرادها في الطرق؟ أينَ ذهب الآلاف الذينَ انضمّوا للشرطة بعد أحدَاث فبراير 2011؟ ألا يجدرُ بنا أن نراهم يملؤون الشّوارع لحمَاية هذا الشّعب من أكفان المعدن التي نراها يومياً؟
على الشرطَة أن ترفعَ من درجَة صرامتها في التعاملِ مع المتجاوزين .. فأيّ خطأٍ يرتكبه قائد المركبة في الشارع يجبُ أن يحَاسب .. لماذا نرى سيّارات الشرطة تقفُ على جانبِ الطريق فيما النّاس لا توليها أيّ اهتمام مواصلةً ارتكَاب أخطائها أمام أفراد الشرطَة دونَ أن يحرّك الشرطيّ ساكناً؟
جيراننا في قطر والامارات والكوَيت وعوا قبلنَا خطُورة المشكلة وشخّصوها عبر تحسين شبكة الطرق وتشديد القوَانين وتركُوا العقليّات لتتآلف معها .. فالعقليّات مهمَا تبلدَت تنيرها القوَانين ومهما جمدَت فإنّ القوانين –مع الزّمن- ستكُون كفيلة ً بإعادة الحياة إليها ..
أرجُوكم .. احمُوا هذا الشّعب من طيش شَبابه .. احمُوا هذا الوطن من فقدَان ربيعِ شعبهِ .. احمُوا أجيالاً تنتظرُ دورها في هذهِ الحياة .. احمُوا أسراً تنتظرُ أن يحملها الشبَابُ على أكتافهم .. واحموا العقليّة العُمانيّة من العشوَائيّة التيْ غزت الطرقَ في عُمان ..
احمُوا هذا الوطن بالقوَانين التيْ خلقت لتعالجَ المشكلة .. وأنشأت لتنظم حياة الشّعوب .. قوانيننا لا تعايشُ المرحَلة .. ويبدُو أنّ المجتمع والحكومَة على السّواء لا يزالُون في نومَةٍ "كهفيّة" لم يوقظها العشرَات الذي يتسَاقطُونُ في الشّوارع كلّ يوم! اجعلُوا هذا الوطنَ ملاذاً آمنا لأطفالنا ومستقبلهم .. لشبابٍ أوشكُوا على أن يبنُوا أسرهم .. أو بدؤوا مع زوجاتهم حياةً جديدَة ً أنهتها آلاتُ الموتِ الحديديّة التي نقُودها كلّ يوم ..
المشكلة ليستْ نتاجَ سببٍ واحد .. وإنّما تراكم أفكَار خاطئة أنتجتها عقليّات لم تدركْ بعدُ حجم الأزمة وعقليّات اعتادت عدم احترام القوانين ، وقوانين عفا عليها الزّمن .. وزمَن تحوّل الموتُ فيهِ إلى زائرٍ يوميٍ في الطرقات .. دعُونا نحتفل بالحيَاة في هذا الوطن .. لأننا لا نريدُ أن نمُوتَ .. نمُوت .. فيمُوت الوطن!


1 التعليقات:

إرسال تعليق